العمارة العربية..شاهد على العصر
د.مشاري النعيم في حوار مع د.عبدالحليم ابراهيم
تتدافع التفاصيل في اذهاننا عندما نفكر فيما حدث للعمارة العربية خلال الثلاثة عقود الاخيرة.. هذه التفاصيل القريبة التي لم تسجل ولم توثق هي جزء أصيل ومهم من ذاكرتنا المعمارية التي تتقاطع مع اأحداث السياسة والمجتمع.. فلا عمارة بلا سياسة.. وهو ما يجعلنا أكثر اندفاعاً نحو كل ما من شأنه أن يعيد لنا صورة تلك المشاهد، ويمكننا من الحياة فيها. ولأن صياغة الحدث المعماري سياسياً لا يمكن قراءته من صورة المبنى الفيزيائية فقط، بل أيضا من تلك القصص التي لا تروى إلا في السياسة والمناخ الاجتماعي العام مع احداث البناء ذاتها.. تلك الحكاية غالبا ما تهمل، وتترك دون تسجيل مع انها مهمة، ويمكن أن تفسر لنا كثيراً من المعاني المرتبطة بهذا المبنى. الحديث مع شخصية مفكرة مثل الدكتور عبدالحليم ابراهيم يثير العديد من الاسئلة التي تبحث عن اجابات فاقعة في تفاصيلها. فنحن في هذه المقابلة لا نتحدث عن اعمال الدكتور عبدالحليم ابراهيم فقط، بل نتحدث عن رؤيته للعصر الذي بدأ فيه ممارسته للعمارة، ونفذ خلاله اعماله.. ربما يجد القارئ في هذه الحوار محاولة فكرية لتأسيس رؤية نقدية حول العمارة العربية المعاصرة، وربما يجد فيه مجرد حديث تاريخي لمرحلة مهمة، وقد يجد فيه البعض محاولة لسرد جزء من السيرة الذاتية التي تتقاطع بكل تأكيد مع العديد من الاحداث والخبرات للكثيرين ممن عاشوا تلك الفترة، خصوصاً ان ضيفنا احد الاكاديميين المخضرمين الذين لهم باع طويل في تعليم المعماريين وتخريجهم، فهو بذلك مؤثر من ناحيتين.. من خلال ممارسته للعمارة، فهو صاحب مدرسة مفعمة باللغة المعمارية المحلية العميقة.. ومن ناحية اخرى من خلال ممارسته للتعليم، فهو استاذ للتصميم المعماري في جامعة القاهرة، وله طلابه الذين تأثروا به وحاولوا نقل افكاره وتويرها في اعمالهم. هذا الحوار الهادئ احيانا والمائج احيانا اخرى يثير كل هذه القضايا، ويرسم صورة، نحسب انها للعمارة العربية خلال الثلاثه عقود الاخيرة
البناء: كثير من المهتمين بالعمارة في العالم العربي يعرفون الدكتور عبدالحليم ابراهيم ولكن نحن نتمنى ان نعطي فكرة للقارئ من هو الدكتور عبدالحليم ابراهيم وكيف تشكل معرفياً؟ د.عبدالحليم: انا معماري عربي من مصر، تشكل وعيه وإدراكه المعرفي في خضم المواجة بين وعود الحداثة والتقدم التينشأ عليها جيلي وعشناها في فترة التكوين الفكري والمهني وبين الواقع الدامي لذلك العالم ومؤسساته المختلفة وقد مرت رحلة الوعي والادراك هذه خلال عدة محطات اساسية،فكأي طالب مصري في الستينات، تلقيت تعليمي الاساسي بالمدارس والجامعات الحكومية، ودرست الهندسة المعمارية بكلية الهندسة جامعة القاهرة، وتخرجت فيها عام 1963. وكانت مصر خارجة لتوها من معارك الاستقلال والتحرر الوطني لتدخل معركة تلو أخرى على كل الاصعدة وكانت الحياة ككل بما في ذلك التعليم يتشكل خلال رؤيا او مشروع كبير يتأرجح في فهمنا كشباب بين طموحات القومية والوحدة العربية وبين منظور اكبر واشمل بنحو بنا نحو عالم اكثر اتساعا وافقا من العالم العربي، وبشكل مبهم للغالية العظمى من جيلي واكثر جلاء ووضوحا للقلة كانت مناهج الحداثة والمثالية الاشتراكية تشكل هذا العالم: ولي مع هذه الحقبة وقفتان الوقفة الاولى: كانت مع دخول الجامعة ومسابقة التفوق الاجتماعي للمتقدمين لامتحانات الثانوية العامة. وبموجبها يؤهل العشرة الاوائل لدخول الجامعة دون التقييد بمجموع الدرجات، والمسابقة على عدة مراحل الفيصل فيها كتابة مقال يعبر عن ادراك الطالب بما يحيط عالمه من تشابكات تتخطى ما تطرحه عليه مناهج الثانوية العامة وقد كتبت مقالا عن كتاب " فلسفة الثورة" الذي تخديث فيه جمال عبدالناصر عن الدوائر الثلاث التي تقع مصر في قلبها: الدائرة العربية، الدائرة الافريقة، والدائرة الاسلامية، وكان نبأ تأهلي لاحد المواقع العشرة الاول من اهم الاحداث في تكويني فقد سمح لي ذلك بدخول كلية الهندسة دون التقيد بشرط المجموع الكلي للدرجات، ومدعاة لتأملات كثيرة بعد ذلك، الوقفة الثانية: كانت عند تخرجي من الجامعة وكانت سنوات الجامعة تأرجحا بين الكثير من الاتجاهات ووجهات النظر، ولكن لم يكن هناك تساؤل حول مصداقية ماندرس. كثيرون من الشباب في عمري كانو يحلمون بدراسة مهنة محترمة، وكانت كلية الهندسة أمل الكثيرين في تعليم راق في اطار الحداثة.. كانت وقفتي الثانية مع مشروع التخرج. فبعد سنوات التأرجح ومحاولة فهم مايراد مني تحقيقه وكان اختيار مشروعي ضمن اكثر المشروعات امتياز، اشارة لاهمية الفوز خارج السباق وان معنى التنافس الحقيقي ان تكون على ارضك وليس على ارض الغير، وفقا لمقايسهم البناء:هل تتذكر بعض الاساتذة في ذلك الوقت؟ د.عبدالحليم: نعم كلية الهندسة في ذلك الوقت كانت ذاخرة بالاساتذة العظام امثال نجيب باخوم في الرياضيات، وخشبة في علم الحركة والميكانيكا، وحسن فهمي استاذ هندسة الانتاج الذي علمني درس الحياة، وهو ان العلم الحقيقي هو معرفة طبيعة الاشياء والوصول الى عالم تكون المعرفة فيه مفتاحا للتعرف على ماتحب، وعلى ما أنت مفطور عليه، فإن حولت ذلك إلى عملك |